Wednesday, November 19, 2014

قالوا صراع أجيال

لا أستوعب كيف إحتكر بعض الشباب في مصر الحديث بإسم كل شباب مصر لمجرد إحترافهم الكتابة أو التواصل الإجتماعي على الإنترنت. ظاهرة عجيبة أن كل من قدر على الوصول إلى أحد المنابر يتحدث وكأن رأيه هو رأي جميع أصحاب الفكر والرأي. لا أدري من حول الحراك السياسي في مصر إلى صراع وهمي بين الأجيال.

عن زوبعة عصام حجي وحقه الضائع في الإحتفاء الإعلامي أكتب.


يدعي الكثيرون ومنهم عصام حجي ذاته، وهو عالم من علماء وكالة ناسا للأبحاث الفضائية، أن الدولة تحارب الشباب وهو في طليعتهم و تضطهدهم مدللاً على ذلك بالحرب الإعلامية التي شنّت ضده على إثر انتقاده لما سمي بجهاز "الكفتة". ومع إتفاقي مع أن ذاك الجهاز لم يكن إلا مأساةً مضحكة مبكية لأنه قد تلاعب بقصد أو بغير قصد بآمال ملايين البشر في الشفاء من مرض فيروس سي اللعين، أقول لعصام حجي و للمناديين بتسييس المسألة وتحويل موقف بعض وسائل الإعلام منه إلى "نظام ضد الإبداع"، أن هبوط المركبة فيلة على سطح المذنب لم يحقق كل الهدف المرجو منه بعد، و الذي من أجله تم صرف ملايين الدولارات من موارد البشرية، فقد راحت المركبة فيلة في سبات عميق حال ملامستها سطح المذنب نتيجة لإحتياجها ٦ ساعات من التعرض لأشعة الشمس بينما يتوفر لها ساعة و نصف فقط بحسب تقرير المنظمة. فهل قلل أحد من قيمة تلك التجربة لأنها أضاعت الأموال والآمال بينما يموت آلاف البشر بين جوعى ومرضى ومهمشين حول العالم? بالطبع لا فمازالت الآمال معقودة على إمكانية إيقاظ المركبة عن طريق توجية المزيد من أشعة الشمس إليها في المستقبل القريب، وهذه طبيعة الأبحاث في مجال الفضاء التي تستهلك أموالاً طائلة من أجل آمال مؤجلة لكنها مشروعة.

أما وأن تم تسييس المسألة بهذا الشكل فأود أن ألقي الضوء على ثلاث نقاط هامة.

أولها أن مأساة إضطهاد العلماء والمبدعين والموهوبين في مصر ليست زوبعة في فنجان ولاهي وليدة اليوم ولا الأمس القريب ولم تكن أبدا قاصرة على نظام سياسي بقدر ماهي تراث مجتمعي متعمق الجذور.
من السهل مثلاً أن نلاحظ التفوق المصري الدولي في رياضات الغوص و الإسكواش و كمال الأجسام حيث أنها رياضات فردية تعتمد على الإرادة الشخصية و التمويل الذاتي وليس على شبكة معقدة من العلاقات الإجتماعية ترتكز على تراث من تحطيم الآخر وصولاً لتحقيق الذات.

وثانياً، ما أعجب أن يصر البعض على تصوير الحياة السياسية في مصر وكأنها صراع بين الأجيال مع العلم أن صراع كهذا لا يمكن أن يؤدي إلا إلى خسارة الجميع وقبلهم الوطن الذي يحتاج الخبرة و الحكمة و القدرة والحماس معاً، مما لا يتأتى إلا بتلاحم الأجيال و تكامل جهودها من أجل صالح المجتمع. فلو قدم الشباب أو الشيوخ عرضاً للمجتمع غير الفوضى الدائمة و الثورة اللانهائية على كل و أي نظام فعندئذ يكون الحساب بناء على العرض المقدم و ليس على عمر المتقدم. خاصة مع تعاظم خطر الإرهاب المخيف.

ثالثاً، لابد من الإعتراف بالخلل المزمن في المنظومة التعليمية في مصر و التي تفصل بين العلوم الإجتماعية و العلوم الطبيعية فصلاً قاطعاً فيصير التفوق العلمي هدفاَ في حد ذاته منفصلاً عن إحتياجات المجتمع مما يؤثر على سلوكيات الفائقين تجاه هذا المجتمع. أذكر أنني قد حضرت ندوة لأحد العلماء المرموقين وصدمت أن قضى ساعتين يتحدث عن ظاهرة فلان (أي إسمه) ويشير لنفسه مراراً بضمير الغائب للتفخيم والإشادة وهو أمر قد يكون مقبولاً على الصعيد الأكاديمي بناء على الإنجاز العلمي إلا انه يكون بغيضاً حينما يصدر من شخصية سياسية أو مجتمعية تسعى للعمل العام . هذا لا يعني أن يبتعد العلماء عن خدمة المجتمع، بالعكس
، يعني أن التفوق أحد فروع العلم قد يكون بحد ذاته خدمة للمجتمع لا يتعارض مع العمل السياسي و لكنه لا يؤهل صاحبه "أوتوماتيكياً" له.

تحية للعلماء و أمل في غد أفضل ومجتمع بشري واحد تسوده المودة و يعمّه السلام.