تحليل قصة الشهر : كلمات ليست كالكلمات
بكلمة
تجرح إنسانا و بكلمة قد تشفيه ، بكلمة خلق الله العالم و بكلمة سينهيه . الإنسان
هو الكائن الوحيد الناطق بالكلمة وهو الوحيد القادر على تسجيل خبراته و تجاربه في
كلمات تقوم على أساسها التنمية و الحضارات. أي كائن حي يتحرك بناء على غرائزه
المرسومه له من قبل الخالق ولا يخرج عنها ، فليس هناك على ذلك حيوان طيب و حيوان
شرير طالما يتصرف في حدودغرائزه المرسومه له من قبل الخالق لكن يوجد انسان طيب
وإنسان شرير يتصرف على عكس النظام الإلهي الذي فطر عليه ويتصرف على غير ما يمليه
عليه ضميره الذي يتميز به عن سائر المخلوقات والذي على أساسه إستخلف في الأرض ومن
هنا تأتي أهمية الكلمة والتي قامت عليها حضارات بتسجيل تجارب وتاريخ البشر وما
توصلوا اليه من علوم يزيد عليها كل جيل . والكلمة هي أساس التربية ، فالحيوان يقع
في نفس الحفرة التي وقع فيها آباءه أما البشر فيسجلون أن في ذلك المكان حفرة سواء
كان ذلك التسجيل علميا أو أدبيا أو تاريخيا وعلى هذا فإن القادم يأخذ حذره لئلا
يقع في ذات الحفرة وكل ذلك بقوة تأثير الكلمة . والآباء دائما يوجهون أبنائهم
بالكلام ويحاسبوهم بالكلام ويشجعوهم بالكلام ويمدحونهم بالكلام و يعبرون عن غضبهم أيضا
عليهم بالكلام أو برد فعل معين مصاحب للكلمات عادة .
وسواء
استخدم الآباء الكلمات أو الأفعال أو كلاهما معا فهو في النهاية نوع من الحوار
والتواصل الذي يحمل رسالة معينة تصل للأبناء بشكل من الأشكال
ومن
خلال التجارب و الحوارات المختلفة وجدت أن
أكثر ما يساهم في انحراف الأبناء هو العنف اللفظي بالأكثر وتعمد الإهانة والطفل قد
يحتمل العنف الجسدي إلى حدود معينة ( حتى
أن المثل العامي يجعل ضرب التأديب بمحبة "كأكل الزبيب " وهو ليس تشجيعا
بأي صورة على العنف الجسدي المرفوض تماما إلا أنه استنكارا لما هو أشد منه وهو
الإساءة اللفظيةوخاصة إذا صاحبها أي
نوع آخر من العنف كالضرب و البصق على الوجه و تعمد الإهانة و جرح الكرامة وذلك لأن
الإهانة اللفظية تخرج من إطار التأديب إلى إطار الصاق صفة سلبية بذات الإنسان التي
لا يملك غيرها
وهناك
عشر أخطاء لفظية قد ترتكب في تربية الطفل قد ينتج عنها إنحرافا وتشوها دائما
بشخصيته يصعب تصحيحه فيما بعد إذ أن تلك الأخطاء
تدخل في عمل تشكيل شخصية الطفل في خطاه نحو البلوغ والنضج.
* أولا: الشتيمة بوصف الطفل بأوصاف الحيوانات مثل (حمار, كلب, ثور, تيس, يا حيوان ) أو تشتم اليوم الذي ولد فيه فهي أولا تلصق صفات سلبية بتلك الحيوانات غير موجوده فيها وتقسي قلب الطفل في التعامل مع الكائنات الأخرى وهي أيضا تجرح مشاعر الطفل وتقديره لذاته جرحا غائرا .
* ثانيا: الإهانة من خلال الانتقاص منه بأوصاف سلبية مثل أنت (شقي, كذاب,معفن, فاشل, أعرج,حرامي) والمشكلة أن على الطفل في مراحل عمره المبكرة والمتقدمة أن يصدق الكبار فأن نعته الكبار بصفة فهو سيصدقهم غالبا بدلامن مقاومة تلك الصفة إن كانت فيه فعلا وتصبح جزء لا يتجزء من تكوينه
* ثالثا: المقارنة مثل (فلان أحسن منك ) وهذه تدمر شخصية الطفل لأن كل طفل لديه قدرات ومواهب مختلفة عن الآخر والمقارنة تشعره بالنقص وتقتل عنده الثقة بالنفس وتجعله يكره من يقارن بهومعظم عباقرة العالم كانوا متهمين بالغباء والفشل كإينشتين الا ان الواقع أن العالم لم يفهم أن لهم "تكوينا خاصا ومختلفا" وعلينا أن نتقبل الآخر كما هو ونتعامل معه كما هو وقد فلو قارنا بين الطائر والسمكة في السباحة مثلا فسوف يكون الطائر فاشلا بينما هو يستطيع الطيران ولا تستطيع السمكة ذلك وليس الإختلاف نقصا .
* رابعا: الحب المشروط كأن تشترط حبك له بفعل معين (أنا مش هأحبك لأنك عملت كده , أحبك لو أكلت كذا أو لو نجحت وذاكرت) فالحب المشروط يشعر الطفل بأنه غير محبوب وغير مرغوب فيه وإذا كبر يشعر بعدم الانتماء للأسرة لأنه كان مكروها فيها عندما كان صغيرا ولهذا الأطفال يحبون الجد والجدة كثيرا لأن حبهما غير مشروط ويجب أن تكرر الأم لإبنها أنها تحبه ومع ذلك تغضب من بعض التصرفات فليس غضبها كرها ولا يمكن أن تكره طفلها مهما فعل.
* خامسا: إرساء معلومة خاطئة مثل (الرجل لا يبكي, اسكت إنت لسة صغير, الولد جنني, أنا مش قادرة عليه، ربنا يعاقبك ويحرقك بالنار) فالأطفال أحباب الله ولا يمكن أن ينشأ الطفل على مشاعر كهذه تجاه خالقه الرحمن الرحيم العادل الرؤوف بل يجب أن يعلم الطفل عن الله صفات الرحمة قبل صفات النقمة ويقول الكتاب المقدس "إن لم ترجعوا وتصيرا كالأطفال لا يمكن أن تدخلوا ملكوت السموات " فكيف نفسد نحن براءة أطفالنا ومحبتهم للخالق بدلا من تربيتهم تربية سليمة تعرفهم أن ما يرفضه الدين ترفضه الإنسانية وهو خاطيء جدا يقود إلى اصعب النتائج .
* سادسا: الإحباط مثل ( وايه يعني تطلع الأول عادي ,أنت مش بتفهم, اسكت يا شيطان, ما فيش منك فايدة, إنت زي قلتك).
*سابعا: التهديد الخاطئ (هكسر راسك, هشرب دمك, إنت لازم تتدبح, لازم أعملك إعاقة).
* ثامنا: المنع غير المقنع مثل نكرر من قول لا لا لا ورفض طلباته من غير بيان للسبب.
* تاسعا: الدعاء عليه مثل (ربنا ياخدك, ياريت تموت, إنت ملعون, يارب تسقط, يارب ما تخلف و لا تشوف يوم حلو).
* عاشرا: الفضيحة وذلك بكشف أسراره وخصوصياته عند إكتشافها من قبل الكبار وهو أمر لا يغتفر ولا يمكن معالجه جرحه ويظل محفورا في ذاكرة الطفل طوال عمره وحتى نهاية حياته .
هذه
عشر نقاط كاملة وقد اطلعت على دراسة تفيد بأن الطفل إلى سن المراهقة يكون قد استمع
من والديه الى ستة عشر ألف كلمة سيئة من الشتائم فتخيلوا معي طفلا لم يبلغ من العمر 8
سنوات وفي قاموسه أكثر من خمسة آلاف كلمة مدمرة فإن أثرها عليه سيكون أكبر من
أسلحة الدمار الشامل فتدمر حياته ونفسيته.
فالكثير من الآباء رغم حبهم المفرط لأولادهم و توفير جميع إحتياجاتهم من طعام وألعاب وترفيه وتعليم يدمرونهم بالكلمات لأن الطفل ان صدق ما تلصقه كلمات ذويه السلبيه عنه فسيتمادى و ان لم يصدقها فسيتمرد.
والأفضل هو الموضوعية في حال الغضب وانتقاء الألفاظ التي تعبر عن الاستياء من التصرف لا من الطفل ذاته مثل عبارات:
انا احبك لكن لا احب هذا التصرف...
لا يعجبني ما فعلته للتو ...
ما فعلته يغضبني جدا ...
علينا
أن لا نستهين بالكلمة ولنحرص على الكلمات الإيجابية المؤثرة التي تساهم في بناء
أطفالنا وتنميتهم فبالكلام نصنع السلام .