Tuesday, January 22, 2013

التعليم في مصر لا يزال ينتظر الثورة







نشرت في أهرام العلمي بتاريخ 27/8/2011

 نسمع كل يوم عن مبادرات لتطوير التعليم ومقترحات لا نهاية لها ولا أحد يمس جوهر القضية، فالتعليم في مصر يحتاج أن نتوقف عن دفن رؤوسنا في الرمال وأن ننقب عن الأسباب الحقيقة التي أفسدت التعليم لسنوات طويلة، التعليم في مصر لازال يحتاج إلى ثورة!

مشكلة التعليم في مصر انه لا يحتاج فقط لتربويين بل للساسة أيضا ونادرا ما يجتمع العلم والتربية مع السياسة ولذلك فلم يتم طرح رؤية واضحة لإمكانية إصلاح التعليم في مصر وكل يغني على ليلاه . وكلما توفر لي أن اتحدث في قضية إصلاح التعليم في مصر في محفل سياسي اقابل بالصمت اولا ثم بابتسامة على ركن الفم ثم صمت آخر وتغيير لمجرى الحديث وذلك انني دائما أتحدث عن أولوية إصلاح التعليم الدولي في مصر!! فالمتعلمين بالمدارس الدولية في مصر والمعلمين والإداريين معظمهم من المصريين وهو أمر صادم بلاشك إلا انه واقعاً ، والقانون يمنع تشغيل ما يزيد عن 10% من مجموع العاملين بالمدرسة من الأجانب ، فبينما يتحدث الجميع عن تكدس الفصول وعدم كفاية عدد المدارس أو ضعف الإمكانات يتناسون قطاعا هاما من التعليم "المصري " تتوافرمن خلاله جميع إمكانات التعليم الجيد الا انها تكاد تهدر جميعها ليصبح المنتج النهائي تعليم غير جيد .

مشكلة التعليم في مصر كأي مشكلة أخرى في مصر تتلخص في إنعدام الرؤية المتكاملة وضعف القيادات

فلدينا نوعان من التعليم

التعليم القومي : وهو الذي يستخدم المناهج القومية المفروضة من وزارة التربية والتعليم سواء تسمى بالتعليم العام أو الخاص وهو الذي يعاني في شقه العام (المسمى بالمجاني) من ضعف الإمكانات وتكدس الفصول وضعف أداء المعلم أو بالإضافة إلى جميع ذلك (وهنا يشترك التعليم الخاص معه في ذلك) حشو المناهج وعدم التعامل بوعي مع قضية جودة التعليم.

وكنا قد توسمنا خيرا حينما تأسست هيئة مصرية للإعتماد وجودة التعليم "مستقلة" عن وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي منذ سنوات قلائل، إلا أن الهيئة جندت "المتطوعين" الذين جيء بهم من ذات النظام المعيب وتم "إنزالهم "للمدارس قبل إكتمال تدريبهم ثم بعدما عملوا عاما كاملا وأوصوا بإعتماد أو عدم إعتماد المدارس تم إستدعاؤهم للإمتحان !!! ولا أدري معنى أن يمتحن الشخص بعد أن تخرج وانخرط في سلك العمل؟؟ ناهيك عن وجود معيار كامل للمنهج ( المعيار الثامن)ومدة ملائمته لبيئة التعلم وحاجة المتعلمين مع أن المنهج لا تضعه المدرسة بل هو منهج قومي تفرضه وزارة التربية والتعليم وإنما يدلنا ذلك عن أن تلك المعايير قد ترجمت بلا وعي من المعايير الأمريكية والتي تختار فيها المدارس كل منهجها الخاص بحسب رؤيتها ورسالتها وتبعا لمعايير التعلم الدولية التي تختارها!! ولا أنسى الجدل الذي دار بيني وبين الزملاء المراجعين في أحدى المدارس أثناء زيارتنا لها عما إن كانت تلك المدرسة تستوفي معيار"المشاركة المجتمعية" وكانت المدرسة تستضيف عشرة من الأيتام كل عام وتقوم بتعليمهم مجانا ورعايتهم رعاية شاملة ومع ذلك فقد اصر الزملاء على ان هذه ليست المشاركة المجتمعية التي "قالوا لهم عنها في التدريب "!! وكادوا يحرمون المدرسة من تلك النقاط بإصرار عجيب!!و يتحول الامر مرة أخرى الى "تستيف" ملفات الإعتماد و نحن أبرع أهل الأرض في ذلك!

إما النوع الثاني من التعليم في مصر ويفترض انه التعليم "الجيد" الذي يناله الصفوة ، وأتمنى الا تثير هذه الكلمة حفيظة القاريء حتى تظهر أمامه الصورة كاملة ، فهو التعليم الدولي. فإن كنا نشكو من ضعف الإمكانات وننسب لها جميع خطايا التعليم فما بالنا حينما تتوفر الإمكانات لا نزال نحصل على منتج رديء!

أقولها على مسئوليتي الخاصة كمتخصصة في جودة التعليم الدولي و القومي أيضا، أنه حتى مدارس القمة لا تنتج لنا ما يجب أن تنتجه "مواطنا صالحا متعلما تعليما جيدا" والمسألة محسومة بالمنطق إذ أن جميع تلك المدارس تستخدم المناهج الأجنبية والكتب الأجنبية في تدريسها لمعايير التعلم الدولية ولأنه لا يوجد حلقة وصل في تدريب المعلمين في تلك المدارس للموازنة بين متطلبات التعليم الوطني ومتطلبات التعليم الأجنبي إللهم إلا بإقحام مادتي الدراسات الإجتماعية والتربية القومية ( اللتان تدرسان باللغة العربية وبطرق التدريس العقيمة التي لا يعرف معلمو تلك المواد غيرها، مما يجعل تلك المواد جحيما بالنسبة لطلبة المدارس الدولية فلا هم يفهمونها ولا يكترثون بها وهم بالكاد ينجحون فيها)بدلا من تكميل المنهج الدولي للدراسات الإجتماعية و العلوم بما يتناسب مع احتياجات المتعلم كمواطن مصري و كوني والغاء مالا يتناسب منه مع قيمنا.

والحل لا جدال يتمثل في "إدماج" المواطنة والمواطنة الدولية داخل المناهج والانشطة الصفية واللا صفية لتكميلها وهي إمكانية لا يتيحها إلا نظام التعليم الأمريكي فلو أخذنا مادة العلوم كمثال صارخ لتلك المشكلة نجد أن الطلبة يدرسون البيئة الأمريكية فيها مع أن مادة العلوم ليست محلية إلا أنها فيما يختص بالبيئة والحفاظ على التنوع البيولوجي تتعامل مع قضايا محلية مثل المحميات الطبيعية والتلوث والتنوع البيولوجي للكائنات المختلفة في بيئاتها الطبيعية والأبحاث المحلية والخرائط الحيوية المحلية والتي لا يوجد عنها ذكر في الكتب المستوردة التي يستخدمها الطلبة ولا يوجد المدرس المتدرب على تكميل المنهج بتلك الدراسات والمعلومات رغم مرونة النظام الأمريكي في التعامل مع إختيار المناهج ويكتفى بمليء رفوف المكتبات بكتب "الركن الأخضر" التي يكاد لا يمسها أحد إلا أمين المكتبة عند ترتيبها لأول مرة ثم عامل النظافة عند إزالة التراب عنها دوريا. ولذلك فقد قمت بعدة مبادرات كناشطة مجتمع مدني ومتخصصة في التعليم الدولي في ذات الوقت في محاولة لرأب ذلك الصدع وإدماج الثقافة البيئية داخل المناهج والانشطة الصفية واللاصفية بالمدارس الأمريكية كانت آخرها في مدرسة بورسعيد الأمريكية بالزمالك بالإشتراك مع د.أحمد عبد العظيم وقمنا بمبادرة العلوم عبر مصر Science Across Egypt© بعمل منهج تكميلي متخصص للعلوم وخرائطا للمناهج لتدريسها بالمدارس مع الرحلات العلمية الإستكشافية للمحميات الطبيعية وتنظيم حملات الحفاظ على البيئة التي يقوم بها الطلبة مع معلميهم والندوات التوعوية وتصميم الحدائق المنتجة للغذاء بالمدرسة وتحقيق متطلبات المدرسة الصديقة للبيئة كما قمت بعمل مسابقة ©Egypt's Got Talents لإكتشاف المواهب المصرية المختلفة بما فيها العلوم والتدريس الإبتكاري لمادة العلوم والرسم العلمي والتي أقيمت على مدى عامين متتاليين.




ومع ذلك وبسبب عدم وجود إتساق في الرؤية بين مؤسسات الدولة المختلفة في التعامل مع هذا النوع من التعليم ( الأمريكي بصفة خاصة ) فقد تضاربت محاولة الإصلاح حتى أفسدت هذا النظام بما لا يمكن إصلاحه إلا بمعجزة فمن يصدق أن تقسم درجات الطالب المؤهلة للتسجيل في الجامعات المصرية إلى 60 % لما يعرف بإمتحان "السات " أو الـ SAT و 40 % لدرجات المدرسة وهو إهدار مخيف لطاقات أبنائنا الدارسين في تلك المدارس ولأموال ذويهم حيث أن ذلك الإمتحان ليس إمتحانا تحصيليا وانما هو اختبار "تنبؤي" قياسي لا يناسب إطلاقا دارسين اللغة الانجليزية كلغة أجنبية ولا يفيدهم شيئا وهو تجارة رابحة لمن يسمون انفسهم بمدربين السات الذين يستغلون عدم معرفة الطلبة واولياء الامور بطبيعة تلك الامتحان ويبيعون لهم "الهواء" . فستين في المائة إذا من طاقة ابنائنا الدارسين بتلك المدارس مهدرة والكثير من الاموال تنفق على تدريب وهمي على امتحان لا يقيس تحصيل الطالب ولا إجادته للغة وغير مصمم ليناسب طلبة مدارسنا.

Sunday, January 13, 2013

قصة الشهر : شادية الشقية




دخلت الفصل للأسبوع الثاني من استلامي العمل بالمدرسة و لم أكن قد عملت كمعلمة لهذه المرحلة المبكره من قبل . كنت ارتجف خوفا من تداعيات اليوم ، فهذا الطفلة الشقية العنيدة تحيل حياتي إلى جحيم و تحول الفصل إلى فوضى بمجرد دخولها في الصباح. تقف على الطاولة وتضرب زملائها بل انها تعضهم احيانا و مهما عاقبتها لاتستجيب. 

اليوم سأنتبه لها جيدا. لن تغلبني " هذه المفعوصة" !
و جائت اللحظة المنتظرة و فتح الباب ليظهر وجهها الشقي من خلف الباب في ابتسامة ظافرة و هي تسحب أمها ورائها إلى مكان جلوسها الذي يتغير يوميا.
"شادية ، اوع تتشاقى و تزعلى الميس"
نظرت الى أمها في براءة إستفزازية و أومأت  برأسها وضفائرها اللامعة مازالت مرتبة ومنسدلة على كتفيها.
و في رضا تركت الام شادية بالفصل و ما ان بدأت في شرح الدرس الجديد حتى بدأ العرض
"شادية مش قلنا مافيش شقاوة ! تعالى هنا "
سأنتبه اليها من اول اليوم 
تعالى هنا اقفي جنب السبورة !
و نزلت شادية من فوق " الديسك" الذي كانتتقفز فوقه بسعادة ولا تعبأ بما أقول 
و مشت مطرقة الرأس إلى السبورة وكأنها تخشى النظر الى عيناي الغاضبتين و حاجبي المعقودان   
و بدأت مرة أخرى في شرح الدرس 
ونسيت شادية :) فقد صار الفصل هادئا و الدرس ممتعا
شادية ! ايه اللي بتعمليه ده ! انت مش هاتتأدبي ! تعالى هنا !
كانت شادية قد تسللت بعدما طالت وقفتها ووصلت إلى احد زملائها لتعضه !
ارتفع صراخ محمود الصغير بعض ان عضته شادية و كدت أجن من الغضب و الهلع !
ماذا افعل مع هذه الطفلة الشرسة ! 

ومضى اليوم بحلوه و مره و أنا غارقة في الإحباط و الحيرة ! كيف أعلم الأطفال و أساعد هذه الطفلة وكيف احمي باقي  الأطفال منها ؟

ما الأخطاء التي ارتكبتها هذه المعلمة ؟ شاركنا الرأي ... 
سينشر تحليلا لهذه القصة آخر الشهر 

Monday, November 12, 2012

التنوع البيولوجي و الحفاظ على الفطريات



جيهان سامي :


الفطريات كائنات بالغة الأهمية في حياتنا ومع ذلك فهي لا تحظى بالإهتمام الذي يتناسب مع تأثيرها في حياة البشر ودورها في حفظ التوازن البيئي اللازم لإستمرار الحياة على الأرض ، فالفطريات مملكة ضخمة مستقلة بذاتها عن ممالك الكائنات الحية الأخرى ولها صفاتها المشتركة بين النبات والحيوان ولها صفات أخرى تميزها عن هذا وذاك ولو تحدثنا عن الفطريات ببساطة نجد أن لها منافعا لا تحصى كما أن مضارها لا تحصى أيضا وقد يكون الفارق بين الإثنين هو العلم والوعي فقط لا غير، فمن منا لا يعرف البنسيلين المستخلص من فطر البنسليوم ومن منا لا يعرف فائدة الخميرة ومن منا لم يرى عفن الخبز وتحلل الأغذية بفعل الفطريات ، إن فطر الـClaviceps purpurea المعروف باسم الإيرجوت أو نيران القديس أنطونيوس مثلا كان قد تسبب في وفاة مئات الآلاف من الحيوانات والبشرفي أوروبا في الألفية الماضية إلا أن نفس الفطر تستخلص منه مواد فعالة لمقاومة الإجهاض وآلام الصداع النصفي وتحسين الحالة النفسية ولولا الفطريات لبقيت جثث الكائنات الميتة على وجه الأرض بغير تحلل منذ عهد سيدنا آدم وحتى الآن، والكثير من حالات الوفيات خاصة بعد عمليات زراعة الأعضاء تحدث بسبب تجاهل تأثير الفطريات الممرضة على الإنسان وأخيرا نأتي لفطر عش الغراب بأنواعه الذي يعد غذاءً شهياً عالي القيمة الغذائية مع أن الكثير من انواعه سام جدا أيضا وقد يسبب الوفاة في غضون بضع ساعات من تناوله والفرق أيضا يكون في العلم والوعي بأنواع الفطريات عند التعامل مع فطريات عش الغراب . فالفطريات ذات قيمة إقتصادية كبيرة بالإضافة لقيمتها في حفظ التنوع البيولوجي اللازم لإستمرار الحياة وقيمة طبية وتراثية وانسانية تتأصل جذورها في فجر التاريخ ومع ذلك فالفطريات تعاني التجاهل والإهمال حتى انها كثيرا ما تندرج تحت قائمة النباتات من قبل المتخصصين ويظهر ذلك جليا في تقسيم الكائنات الحية على وحدة التنوع البيولوجى بموقع وزارة البيئة المصرية الاكتروني حيث اختزل التنوع البيولوجي بأكلمه إلى "حياة نباتية Flora" وحيوانية Fauna وتم إدراج الفطريات تحت النبات والعجيب أن الموصوف منها حتى الآن لا يتعدى 5% من عددها المقدر من قبل العلماء المتخصصين.